تاريخ Metaverse

الميتافيرس اليوم ليس مجرد مصطلح رائج، بل هو تطور طبيعي في مسار التكنولوجيا الرقمية. ولكن هذا المفهوم لم يظهر فجأة، بل مر برحلة طويلة بدأت من الخيال الأدبي ووصلت إلى المشاريع الكبرى والاقتصاد الرقمي. في هذا المقال نستعرض تاريخ الميتافيرس ونحاول فهم كيف تطور من فكرة إلى منظومة تقنية متكاملة.
بدايات الميتافيرس في الأدب والخيال العلمي
رواية Snow Crash عام 1992
يُنسب الفضل في إطلاق مصطلح “Metaverse” إلى الكاتب نيل ستيفنسون، الذي استخدمه في روايته Snow Crash. في هذا العمل، قدّم ستيفنسون تصورًا لعالم افتراضي ثلاثي الأبعاد يتفاعل فيه الناس عبر صور رقمية لأنفسهم تُعرف بالأفاتار. كان الميتافيرس في الرواية انعكاسًا للمجتمع، حيث تُمارس التجارة، الترفيه، وحتى الحياة اليومية.
تأثير الخيال العلمي على المفهوم
أعمال مثل Ready Player One للكاتب إرنست كلاين (والذي تحوّل إلى فيلم لاحقًا)، ساهمت في تعميق الفهم الشعبي للفكرة، إذ تُظهر عوالم افتراضية هائلة تنقل المستخدم من الواقع إلى فضاء رقمي غني بالتجربة.
تطور الواقع الافتراضي والواقع المعزز
البدايات التقنية في التسعينيات
بدأت الشركات التقنية في التسعينيات بتجريب نظارات الواقع الافتراضي، مثل مشروع Virtuality في المملكة المتحدة، لكنه لم يحقق انتشارًا واسعًا بسبب محدودية التقنية حينها.
بداية استخدام المصطلح خارج الأدب
مع التقدم في تقنيات الرسوميات والشبكات، بدأ مصطلح “ميتافيرس” يخرج من صفحات الروايات إلى المؤتمرات العلمية والنقاشات التكنولوجية، رغم أنه لم يكن بعد مفهومًا مطبقًا على نطاق واسع.
Second Life (2003)
أطلقت شركة Linden Lab لعبة Second Life، وهي واحدة من أوائل المحاولات الفعلية لإنشاء عالم افتراضي اجتماعي. سمحت المنصة للمستخدمين ببناء شخصياتهم، شراء أراضٍ، تنظيم فعاليات، وبناء اقتصاد افتراضي باستخدام عملة Linden Dollar. ورغم أنها لم تكن تعتمد على الواقع الافتراضي بالكامل، إلا أنها كانت بوابة مهمة نحو الميتافيرس الحديث.
طفرة الألعاب متعددة اللاعبين
ألعاب MMORPG
في أوائل الألفينات، بدأت ألعاب مثل World of Warcraft، Runescape، وEVE Online في بناء عوالم افتراضية ديناميكية يشارك فيها ملايين المستخدمين. هذه الألعاب رسخت مفهوم العوالم الرقمية المستمرة والمتطورة.
ظهور Roblox وMinecraft
Roblox (2006) وMinecraft (2009) قدّمتا تجارب مبنية على الإبداع الجماعي والتفاعل الاجتماعي، وساهما في إعداد جيل جديد من المستخدمين المستعدين للميتافيرس. يتميز كلاهما بعناصر الإنشاء والتفاعل داخل عالم رقمي ثلاثي الأبعاد.
دخول عمالقة التكنولوجيا على الخط
فيسبوك تتحول إلى Meta
في أكتوبر 2021، أعلن مارك زوكربيرغ تغيير اسم شركة Facebook إلى Meta، في خطوة استثمارية ضخمة نحو بناء “ميتافيرس المستقبل”. وقد ضخّت الشركة عشرات المليارات من الدولارات في تطوير تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز.
إطلاق Horizon Worlds
طورت Meta منصة Horizon Worlds كبيئة افتراضية تتيح للمستخدمين بناء عوالمهم، التواصل مع الآخرين، وإجراء فعاليات افتراضية. المنصة لا تزال في مراحل التطوير، لكنها تمثل إحدى أولى المبادرات الجادة في تحويل الميتافيرس إلى منتج استهلاكي.
دخول Microsoft
أعلنت Microsoft عن خطط لدمج تقنيات الميتافيرس في Teams وDynamics، وخاصة في بيئة العمل والاجتماعات، مستفيدة من استحواذها على شركة AltspaceVR وتطوير HoloLens.
دور العملات الرقمية وNFT في تطور الميتافيرس
تقاطع البلوك تشين والميتافيرس
وفرت تقنية البلوك تشين حلًا لمشكلة ملكية الأصول في العوالم الرقمية. من خلال العقود الذكية والعملات الرقمية، يمكن للمستخدم امتلاك أرض، أفاتار، أو عنصر رقمي بطريقة قابلة للتحقق والبيع.
NFT وتمثيل الأصول
قدّمت رموز NFT وسيلة لتمثيل المقتنيات الرقمية داخل الميتافيرس، سواء كانت أعمالًا فنية أو عناصر ألعاب أو حتى شخصيات. هذه الرموز أضفت بعدًا اقتصاديًا جديدًا على التجربة الرقمية.
مشاريع مثل Decentraland وSandbox
هذان المشروعان هما من أوائل مشاريع الميتافيرس المبنية على البلوك تشين، حيث يمكن للمستخدمين شراء أراضٍ رقمية والتفاعل ضمن اقتصاد افتراضي لا مركزي بالكامل.
الميتافيرس اليوم
الواقع الحالي للتطبيقات
الميتافيرس اليوم هو عبارة عن مجموعة متفرقة من العوالم والمنصات التي تقدم تجارب افتراضية، مثل الألعاب، الاجتماعات، المعارض، والحفلات. لا يزال الربط بين هذه العوالم محدودًا، وهو ما يُعرف باسم “اللا-قابلية للتشغيل المتبادل”.
تحديات التقنية والتبني
رغم الاهتمام الكبير، لا تزال هناك تحديات كبيرة مثل الحاجة إلى أجهزة متقدمة، سرعات إنترنت عالية، ومعايير موحدة لتكامل العوالم الافتراضية.
المستقبل القريب للميتافيرس
تطور في الأجهزة والتجربة
مع استمرار تطوير نظارات الواقع المختلط مثل Apple Vision Pro وMeta Quest، سيصبح الوصول إلى الميتافيرس أكثر سهولة وواقعية.
زيادة تبني المؤسسات
تعمل العديد من المؤسسات التعليمية والطبية والتجارية على تبني تقنيات الميتافيرس في التدريب، الاجتماعات، والتفاعل مع العملاء.
تكامل الذكاء الاصطناعي
يُتوقع أن يكون الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من مستقبل الميتافيرس، سواء من خلال بناء بيئات ديناميكية، أو عبر مساعدين افتراضيين يتفاعلون مع المستخدم بشكل طبيعي.
تاريخ الميتافيرس هو قصة تطور تدريجي، بدأت من صفحات الخيال العلمي، ومرّت بمحطات الألعاب والشبكات الاجتماعية، لتصل اليوم إلى استثمارات بمليارات الدولارات من قبل عمالقة التقنية. وبينما لا يزال الطريق طويلاً أمام تحقيق ميتافيرس موحد وشامل، فإن الاتجاهات الحالية تؤكد أن هذا المفهوم سيكون محورًا أساسيًا في تشكيل مستقبل الإنترنت والحياة الرقمية.